الأحد، 30 أغسطس 2009

رحلة إلى العلا (13)

نداء الوجود

لا تهتم ولا تنهمّ بالعالم الخارجي، بل عش العوالم التي فيك وهذا يكفيك... أصغِ إلى نداءات الوجود التي تتعالى في أعماقك، ففي داخل كل منا أصوات سعيدة باستمرار وما علينا سوى أن نصمت وننصت إليها...
لكن الرأس ممتلئ بضجيج الأفكار وطنينها، بالأخبار والآراء والأحكام... التي تحجب عنا صوت القلب الهادئ الساكن.. صوت الصلاة والصلة بيننا وبين الوجود... بيننا وبين الواحد الأحد، صلة الذاكر والمذكور... عندما نسمعه سنغوص فيه لنذوب في الوجود، ونتحد ونتوحد معه... لأن صوت القلب هو الدرب إلى الرب...
عندما تصبح أنت السيد يستسلم الفكر ويعود إلى مكانه الطبيعي لتنعم بالصفاء والهناء، وتختفي كل تلك الثرثرات والمناقشات... فيبقى همس القلب فحسب... وعندما نكتشف فينا هذه الفطرة ونقويها سوف نستطيع المضي قدماً بسماعه حتى لو كنا بين الناس في السوق، في الشارع، في المكتب... حالما نُحسّ بوجوده وحضوره لن يكون من الصعب سماعه، ولن يحول بيننا وبينه ضجيج العالم بأسره..... المشكلة هي في سماعه للمرة الأولى، لأننا لا نعرف ما هو، ولا أين هو.. لكن عندما نسمعه ونبحر فيه سنحظى بنفحة من نفحات النعيم الأبدي السرمدي لنولد من جديد مرة إثر مرة إلى أن نفنى في الملكوت.. ونموت في المعشوق.. كما تموت الفراشات في قلب الزهور...

لذلك كلما سنح لك الوقت اجلس بصمت لمدة ساعة واحدة كل يوم... وأنصت للأصوات من حولك دون أية غاية، دون أن تحاول تفسير معنى تلك الأصوات أو مغزاها... استمع وأصغ فحسب دون أي سبب على الإطلاق... وسيصبح الفكر تدريجياً صامتاً ساكناً كبحيرة صافية زرقاء، كوردة بيضاء... ستسمع الأصوات الخارجية لكن الفكر لن يحاول تفسيرها أو تحليلها بعد الآن... فجأة ستحدث التغيرات وتسمع صوت جديد قادم من الأعماق، من الداخل، صوت مفعم بعبق الزهور، وصدى أصوات الحقول... وحالما تسمعه سيكون المفتاح بيدك، تستطيع الغوص به عميقاً عميقاً...
لتصل إلى منبع وجودك وحياتك... إلى بيت الحكمة والأسرار المتصل بالحكيم الأكبر...
وعندما تتعلم ذلك ستحيا في عالم مختلف كلياً في بعد آخر ما وراء حدود هذا العالم المحدود...

ليست هناك تعليقات:


Get Image Rollover Effects at crazyprofile.com