الجمعة، 2 مايو 2008

الرومانسية فى الإسلام

الحمد لله ربنا المستعان به , والكريم ذو المن والفضل الذى نلجأ إليه , الحمد لله الذى نرى لطفه فى كل ما منه وإليه وصلى اللهم وسلم على سيدنا الرسول المصطفى والحبيب المجتبى والشفيع يوم الملتقى ولا حول ولا قوة إلا بالله وبعد ,,,
فقد جاء الإسلام مواكباً للطبيعة البشرية وموافقاً لها وقد شرع الإله ما يرقى بهذه الطبيعة ويسمو بها وحرم ما يدنو ويهوى بها ؛ لأنه تعالى أراد لنا الكرامة فى الدنيا والأخرة وكره لنا الإنحطاط والرذيلة , لذلك جعل الله عز وجل التمتع بالدنيا وزينتها أمراً طبيعياً وأمر مستحبا وواجبا , سواء كان التمتع بالنظر أو اللمس أو الشم أو بالشعور النفسى أو الجسدى أو الروحى , وما فى ذلك من حرمة أو كراهة شريطة التمتع الحلال فى الموضع الحلال وشريطة تقوى الله تعالى والإقبال عليه لا ترك هدى الله والإنصراف إلى الدنيا وزينتها وهذا هو عين الحرام , ولما كان التمتع بالدنيا وزينتها ليس مخالفاً لشرع الله كان له ضوابطه الشرعية وأصوله التى عليها نسير ؛ ولا يهدف كل هذا إلا إلى سعادة الإنسان فى هذه الأرض وعليها وما فيه الخير له فى الدنيا والأخرة 0
وقمة السعادة لا بالتمتع بزينة الدنيا وما فيها من جمال ؛ إنما قمة السعادة تكمن فى الرضا فلو أن إنسان يملك الدنيا بأسرها وغير راضى عن ذلك لما سعد فى دنياه هذه , ولو أن أخر لا يملك قوت يومه وراضى عن ذلك كان أسعد الناس رغم انه أفقرهم . فالرضا قمة السعادة , والرضا لا يأتى إلا من قناعة ولذلك قال ربنا (( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى , والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا )) وصدق الرسول الكريم حيث قال ( لا يملأ عين ابن أدم إلا التراب ) وصدق الحكيم إذ يقول ( القناعة كنز لا يفنى ) 0
فشريعتنا الغراء لا تأمرنا بعدم التمتع بزينة الدنيا التى خلقها الله لنا بل علينا أن نتمتع بها فى إطار شرعى ونذكر ونتذاكر بيننا قيمتها وتمتعنا بها فقد قال ربنا (( أذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم )) وقال أيضاً (( أذكروا نعمة الله عليكم )) ولقد كان أكبر مثل لنا فى ذلك سيدنا سليمان الذى أوتى من كل شىء وسخر له الجن والأنس والطير والدواب وكثير مما خلق الله تعالى , وقارون إذ كان من قوم موسى وكان أعلمهم وأعطى من العلم والحكمة والكنوز ما إن مفاتحة لتنوء بها العصبة أولى القوة إلا أنه بغى وتكبر وكفر بالله فأهلكه الله تعالى بظلمه وكفره 0
وإنى أخاطب عقول مستنيرة وفكر حر طليق بلا قيود وأعلم أنكم تعلمون أكثر مما أعلم وما هذا إلا تذكير وتعليل لذكر ما سأذكره لكم الآن 0
أحدثكم اليوم عن أمور نجهلها فى شرعنا أو يجهلها بعضنا نتحدث عن الكلمة الغربية التى تعنى الإحساس المرهف الخيالى والتى درجنا أن نذكرها فى العشق والغرام والحب والهيام ( الرومانسية ) وسأتحدث عنها بمعناها الدارج عندنا فأقول 0
إن الإسلام أعتنى بالنفس والقلب والإحساس والمشاعر ولا منكر لذلك إذ أنه لو لم تعتنى شريعتنا بذلك لكانت شريعة ناقصة لا تلبى حاجة الإنسان كلها وهو ما يعد عيباً ونقصاً والنقص والعيب على الله محال 0
فقد كان رسولنا الكريم صاحب حب كبير إذ كان حبه الأول هو الحب الربانى لرب الوجود وخالقه للإله الأوحد والحبيب الأكبر والأول وفاق حبه كل حب وكانت مشاعره وأحاسيسه جياشه تجاه المحبوب المعروف فقد كان يبكى عند لقياه ولا يستطيع البعد عنه أو حتى التفكير فى ما عداه , كان شغله الشاغل وفكره الساهر وقلبه الذى ينبض بين جنبيه ... كان روحه وريحانه 0 وهذا الحب قد يقول الكثير أنه حب واجب مفروض وقد يقول أخرون أنه حب طبيعى 0
فإن كان هذا النوع من الحب مفروض وواجب فقد كان رسولنا يحب ربنا لا من منطلق الواجب إنما من منطلق الحب لذات الله والصفات لا الحب لأجل الخوف من عذابه وطلباً فى جنته لا حباً له لما تفضل به ربنا عليه من إفضال .. والحب لذات قمة الحب وأعلى دراجته , وحب لأنه أهل لهذا الحب كما قالت السيدة رابعة العدوية ولا يرقى لهذا المقام إلا المحبين الصادقين وقد عبرت السيدة رابعة عن كل حالات الحب فى الحب الإلهى حيث أن فيه كل ما يتمنى الإنسان ويرجو من الحب 0
كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل حب الجمال، وحب الذكر الحسن، من سعادة الدنيا، بل جعله من مكارم الأخلاق التي بعث صلى الله عليه وسلم ليتممها.
ولو ذكرنا النصوص الواردة في الكتاب والسنة التي تحث على الجمال، وتؤيده، لطال بنا المقام ، فإن فضل الجمال ، والحث على التأمل في كل جميل، والتعبير عن هذا الإحساس أمر لا يختلف عليه المسلمون، ولا حتى العقلاء .
فحب الأشياء حب لله لأنه حب لصنعة الصانع أو حب للصانع فى صنعته او عن طريق محبتنا لصنعته وخلقه وإبداعه فى كل شىء .
أما الحب الإنسانى بشر لبشر فقد كان رسونا يحب كل البشر عامة بمختلف أجناسهم والوانهم وأديانهم أما حبه لنساءه فقد كانت محبته لهن كبيرة إلا أنه كان لسيدتنا عائشة فى قلبه مقام خاص ومحبة خاصة وهى محبة لا يملكها الإنسان إنما هى ربانية , وقد كان بينهما صولات وجولات وهى زوجته وهى التى سلم الله عليها من فوق سبع سماوات وهى التى كان بينها وبين الله وصل ووصول هى حبيبة الحبيب وزوجة الرسول 0
كان يداعبها وتداعبه بأجمل الكلمات وكان بينهما حب وشغف لا ينتهى ولا يحد وكانت تغار عليه من زوجاته الأخريات أما هو صلى الله عليه وسلم فقد كان يغار عليها من كل شىء رغم علمه اليقينى بأنه الحبيب الأوحد بعد الله تعالى للسيدة عائشة فلم تكن تعرف ولم تكن تحب ولم تكن تتمنى من الدنيا إلا رضا الله ومحمد صلى الله عليه وسلم 0
كان بينهما أسمى وأرقى درجات الرومانسية
كما أنه صلى الله عليه وسلم أحب السيدة مارية وكانت أحب زوجاته على قلبه .
وليس هذا تناقض مع الذات أو إتباع للأهواء والشهوات فقد يقول قائل كيف كان يحب عائشة حباً كبير وكذا كان يحب مارية حباً كبيرا ....
هل يتفق حبين لأثنين ؟
نعم كما اتفق حبك لوالديك نعم كما اتفق حبك لله ورسوله نعم فالقلب يتسع لحب الكثير وهو ما لا يدركه الكثير ... وهذا مميز فى الرجل أكثر من المرأة . والواقع يؤيد .
وخلاصة القول تكمن فى : -
إن أرسطو وغيره من الفلاسفة والأدباء الغربيين لما تكلموا عن المشاعر والعواطف لم يكن أحد منهم يعرف ( الرومانسية ) هذه الكلمة الحديثة ؛ إنما كانوا يتحدثون عن حقيقة وواقع ما يشعر به الإنسان إلا أن الكثير منهم أنخرط فى ساحة الخيال تاركاً الواقع خلفه يتحدث عن الحب والمشاعر بشكل خيالى وهذا الشعور والأسلوب إنما هو من المبالغة والتشديد على سمو هذه المشاعر والعلاقات فوق كل شىء .
والسؤال هو ماذا يفعل الإنسان إذا أراد أن يعبر عن هذا الجمال الذي أدركه، وكيف يعبر عنه ، وما اسم هذا التعبير ؟
كل الكلمات قد تنضب وتنتهى عندما يريد الإنسان أن يعبر عما بداخله , وكل الهمسات قد تنطفىء ولا يستطيع بها التعبير عن حاله , لكن للإجابة على السؤال أقول إنه ليس للإنسان سبيل للتعبير عن مشاعره ، إلا بالفن، ليس الفن الذى نعرفه ... لا .. فالفن هو اسم لتعبير الإنسان عن شعوره بالجمال وهو ما نعتبره أحياناً رومانسية أو فى بعض الأحيان 0
ولكي نستطيع أن نعرف طبيعة العلاقة بين الفن والإسلام، لابد أن نعرف حقيقة الفن وماهيته وسأكتفي هنا بهذا التعريف الذي يعرف الفن بأنه هو : "المحاولات التعبيرية التي تستهدف تجسيد المشاعر الإنسانية"، فالحس الفني يتعلق بالشعور وليس المنطق، وهذا هو الفارق بينه وبين الفكر، والغرض المستهدف هو تجسيد المشاعر .
والفن الصحيح هو الذي يهيئ اللقاء الكامل بين الجمال والحق، فالجمال حقيقة في هذا الكون، والحق هو ذروة الجمال، ومن هنا يلتقيان في القمة التي تلتقي عندها كل حقائق الوجود .
والقرآن يوجه الحس البشري للجمال في كل شيء، وإنه يسعى لتحريك الحواس المتبلدة لتنفعل بالحياة في أعماقها، وتتجاوب تجاوباً حيّاً مع الأشياء، والأحياء، وهنا يلتقي الفن بالدين، فإنهما يلتقيان في ثورتهما على آلية الحياة، وعلى نسقها الرتيب وعلى ظاهرها المسطح.
فالإسلام أعظم دين غرس حب الجمال والشعور به في أعماق كل مسلم، وقارئ القرآن يلمس هذه الحقيقة بوضوح وجلاء وتوكيد ، فهو يريد من المؤمن أن ينظر إلى الجمال مبثوثاً في الكون كله، في لوحات ربانية رائعة الحسن , أبدعتها يد الخالق المصور ، الذي أحسن خلق كل شيء. وأتقن تصوير كل شيء : (( الَذِي أََحْسَنَ كلَّ شَيْءٍ خَلَقَه )), ((مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَن مِن تَفَاوُتٍ)) ، )) صُنْعَ اللهِ الذِي أََتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ))، فالقرآن الكريم يلفت الأنظار ، وينبه العقول والقلوب ، إلى الجمال الخاص لأجزاء الكون ومفرداته . .
فالقرآن أعتنى بهذا كله ، وبغيره ، يريد أن يوقظ الحس الإنساني ، حتى ‌يشعر بالجمال الذي أودعه الله فينا وفي الطبيعة من فوقنا ، ومن تحتنا ، ومن حولنا . و أن نملأ عيوننا وقلوبنا من هذه البهجة ، وهذا الحُسن المبثوث في الكون كله.
فالإسلام دين واقعي ، فهو يتعامل مع الإنسان كله : جسمه وروحه ، وعقله ووجدانه ، ويطالبه أن يغذيها جميعا ، بما يشبع حاجتها ، في حدود الاعتدال ، الذي هو صفة " عباد الرحمن ")) وَ الَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يقْترُوا وَكاَنَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاَمَا)) ، وليس هذا خلقهم في أمر المال فقط، بل هو خلق أساسي عام في كل الأمور ، هو المنهج الوَسَط للأمة الوسَطَ .
والحمد لله وكفى بنعمة الإسلام نعمة وأدعو الله أن يبعد عنا كل نقمة ولا حول ولا قوة إلا بالله ....

ليست هناك تعليقات:


Get Image Rollover Effects at crazyprofile.com