الجمعة، 2 مايو 2008

القصاص شرع الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله شرع القصاص عدلاً , وحرم القتل إلا ما كان جهاداً أو إقتصاصاً ؛ أحمده حمداً يليق بمشرع علم فشرع , وولى حكم فعدل , وأصلى على من به قامت الأكوان على عجل , وترتبت به حبات عقد النظام فلا خلل أما بعد ,,,
فإن المشرع الحكيم والخالق الجليل جل علاه تعالى لما شرع لنا قانوناً ونظاماً عليه نسير أحكم التشريع والتدبير وأحكم النظام بدستور لا يتغير بتغير زمان ولا مكان وصب عليه كثير من رحمته ومغفرته وجعل باب التوبة مفتوح لكل لاجىء وطارق 0
وبداية فقد كان سبب خلق الإنسان هو إعمار الأرض وعبادة الواحد الأحد ولما بعد الإنسان عن هذه الأهداف وأخذت تتحكم فيه النفس والشيطان ؛ بغى وتجبر وتكبر وأرتكب المعاصى إلا أن كل المعاصى تزيد عظماً أو تقل ولكن اعظمها الشرك بالله وقتل النفس لذلك يقول ربنا على لسان نبيه لقمان الحكيم((و اذ قال لقمان لابنه و هو يعظه يا بنى لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم )) وقال أيضاً ((ومن يقتل مؤمناً متعمدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها )) وقال أيضاً ((من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )) صدق الله العظيم . وقتل النفس من السبع الموبيقات أى السبع الأعظم جرماً وإثما , ويأتى بعد الشرك بالله والعياذ بالله 0
ولما كان الفساد بين الخليقة فى الأرض يهدد الإعمار وعبادة الله فيها شرع الله تعالى القوانين الربانية وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين ؛ لذلك نجد أن القتل محرم فى كل الديانات السماوية 0
ومن حكمة المولى عز وجل فى القاتل العمد بغير حق أن جعل عقوبته القتل فى حين جعل عقوبة المشرك به عز وجل الإستتابة ثلاثة أيام قبل القتل أو التوبة فى غروب اليوم الثالث , ومن هنا نجد انه تعالى قد يتجاوز ويغفر ويتوب على من ترك حق من حقوقه تعالى وفيما هو له وإليه إلا أنه تعالى قد تشدد فى عقوبة مقترفى الإثم والعدوان على إخوانه من بنى البشر وذلك لما يتعلق بذلك من حقول تخص المظلوم وكان من واجب الحق العدل أن يقتص لكل مظلوم ويقيم عدله على الأرض 0
وقد فتح سبحانه باب الثواب وباب المغفرة أمام خلقه فشرع لأولياء المقتول القصاص أو أخذ الدية أو العفو غير المشروط مقابل ثواب الله فى الأخرة ؛ وهذا حق لولى المقتول وليس هبة أو منة من أحد لذلك قال تعالى ((ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا )) 0
فإن الله تعالى لم ينهانا عن القصاص ولكن نهانا عن الإسراف فيه
أما القتل الخطأ فإن رسولنا الكريم يقول ( رفع عن امتى الخطأ والنسيان وما أستكرهوا عليه ) والقتل الخطأ كأن يطلق رجلا النار على صيد فيظهر رجل أخر فجأة فتصيبه الطلقة فيموت فهذا عن غير قصد وهو قتل خطأ ولكن شريطة أن يكون هذا الفعل فى مكان صيد لا فى شارع مثلا أو مكان مأهول بالسكان وإلا لم يعتبر قتل خطأ 0
أما النوع الثالث وهو قتل شبه الخطأ وهو كأن يطلق رجلا النار على صيد فى مكان غير معد للصيد كالشارع مثلا أو مكان مأهول بالسكان فيظهر شخص فتصيبه الطلقة فيموت وهو القتل شبه الخطأ 0
والنوع الرابع والأخير وهو القتل شبه العمد وهو كأن يضرب شخص شخصا أخر لا بغرض القتل بآلة غير مميتة عادة فينتج عن ذلك موت الشخص المضروب وهذا هو القتل شبة العمد وذلك لأن فيه ترصد من القاتل لضرب المقتول وأنتفى فيه الإصرار على القتل 0
وبعد هذا التوضيح أحب أن ألقى الضوء على المكلف بتنفيذ حكم الله وقضائه فأقول :
إن الله تعالى شرع الحكم وحدد العقوبة وكلف بتنفيذ هذا الحكم وهذه العقوبة من هم أهل لهذا وهو العلماء والقضاة وأولى الأمر 0
ولم نسمع يوماً أو يكتب التاريخ إنتشار الثأر فى بلاد الإسلام وذلك لحسن تطبيق شرع الله تعالى وإعلاء حكمه , ولما بدأ العالم الإسلامى فى التغير والاضمحلال وترك الحكم بما أنزل الله والحكم بما وضعه البشر من قوانين وضعية ؛ ظهر الثأر وظهرت كثير من المشكلات التى نعجز عن حلها حتى يومنا هذا ولا أثقل عليكم بها إنما اتحدث فى هذا الموضوع عن القتل وعقوبته الشرعية والوضعية وأكتفى بهذا ثقلاً عليكم 0
قال تعالى ((ومن لم يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الكافرون )) - النساء 59(( ومن لم يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الضالون )) - المائدة 44(( ومن لم يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الفاسقون )) - المائدة 45
فنجد فى هذه الآيات البينة واضحة الدلالة ما تطيب إليه النفس وتركن , فطبيعة الإنسان تفضل القوانين السماوية على القوانين الوضعية لما فى القوانين السماوية من عدل وشمولية ورحمة كما أنها خالية من الخلل والنقائص والمتناقضات وكما انها وضعت بناءاً على علم الله بما هو كائن وسيكون من البشر , خلافاً للقوانين الوضعية التى وضعها مجموعة من البشر الذين يجوز فى حقهم الخطأ والجور كما أنه قد يراعا فيها جانب المصلحة على جانب الحق وتطبيقه 0
وقد ترك ولاة الأمور الحكم بما أنزل الله وأتبعوا حكمهم وحكم أولياؤهم ( الشيطان – النفس – المصالح – الكارهين للحق ونصرته – الكارهين لإنتشار الإسلام وتطبيق مبادئه واحكامه ) وفرضوا على الأمة وأجبروا الشعوب على العمل بقوانينهم وإتباع سننهم ولم يكن للشعب بديل عن ذلك لما عليه من إجبار وإذلال وعقاب 0
وها هى النتيجة كانت إنتشار لكل غريب ودخيل وظهور لكل فحش وقبح ومعصية ولكل رذيلة ومفسدة , وإندثار لكل معانى الإنسانية ولكل جميل وعدل ولكل طاعة ومصلحة 0
وكلما بدأنا نعالج مشكلة ظهرت مشكلات وستتوالى هذه المشاكل فى الظهور والإزدياد حتى نتبع حكم الله ونجعله بيننا حكما ودستوراً لنا 0
فالقتل أصبح ثأراً يأخذه ولى الدم بنفسه دون اللجوء لولى الأمر وترك القوانين الوضعية ... لماذا يا ترى ؟
لأن حكم الله لم يطبق ولم يرتضى أولياء المقتول بحكم البشر لما فيه من عجز وذل وإهدار للحق ولأنه لم يحقق الهدف والغاية من وراء العقوبة وهى الزجر والترهيب من فعل المخالفات والمنهيات فلم يكن السجن زاجر ولم يكن السجن عقوبة للقتل مرضى لأولياء الدم فهل يستوى القتل إلا بالقتل هذه هى العقوبة الأصلية مع عدم الإسراف0
ومن رحمة الله تعالى أن شرع لولى الدم ورخص له فى الدية مع ترك القصاص ودية القتل العمد تعادل الآن ما يفوق الـ 300000 جنيه مصرى فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل عمداً دفع إلى أولياء القتيل ، فإن شاءوا قتلوا ، وإن شاءوا أخذوا الدية ، وذلك ثلاثون حقه ، وثلاثون جذعة ، وأربعون خلفة ، وذلك عقل العمد ، ما صالحوا عليه فهو لهم ، وذلك تشديد العقل ".
وعن عبدا لله بن عمرو بن العاص ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح بمكة ، فكبر ثلاثاً ، ثم قال : " ألا إن دية الخطأ شبه العمد ، ما كان بالسوط والعصا ، مائة من إبل منها أربعون في بطونها أولادها " .
وعنه صلى الله وعليه وسلم أنه قضى : " أن من قُتل خطأ ، فديته مائة من الإبل ، ثلاثون بنت مخاض ، وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقه ، وعشرة بني لبون ذكر "
وفي حديث عمرو بن حزم في العقول : " وفي النفس مائة من الإبل ، وفي العين خمسون ، وفي اليد خمسون ، وفي الرجل خمسون ".
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الأصابع سواء كلهن ، فيهن عشر من الإبل ".
وعن ابن عبــاس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلــم : " أنه قضى في السن خمساً من الإبل "(5) ..
قال تعالى : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ). وقال أيضاً : ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا ، فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً ) .
وما شرعت الدية إلا تخفيفاً من الله وكرهاً منه سبحانه للقتل حتى ولو حقاً لمظلوم فشرع التخفيف بترك القصاص وهو حق إختيارى لا إجبارى 0
ثم شرع ربنا تعالى العفو وهو أيضاً امر مفوض فيه لولى الدم وهو عند الله أولى وإنه لشرف لو تعلمون عظيم يترك قتل النفس قصاصاً وهو حقه ويترك أخذ الدية وقد يكون مع فقره وهو حقه ويصفح ويعفوا ويتنازل عن كل حق له فى حقه .... لماذا ؟
طلباً فى إرضاء الله ورضاه عنه , طلباً للمثوبة وطلباً للفوز العظيم والدية الكبرى من الله تعالى ... يالها من جائزة ودية 0

فينظر الجميع هل هناك فى قانوناً الوضعى قانون يدانى هذا القانون السماوى والتشريع الربانى 000
هل هناك قانون يضع لولى الدم حقاً فى العفو , هل هناك قانون وضعى يرتضى بالدية حكما , هل هناك قانون وضعى يرتضى بالقتل عدلاً وحكماً 0
بل أننا الآن نحاول أن نمحوا عقوبة الإعدام ونحاول تخفيف الحكم ودرئه وليس هذا ما عناه سيدنا رسول الله حينما قال " أدرئوا الحدود عن أمتى ما أستطعتم " فالمقصد هنا هو درء الحد بالشبة لا بتخفيف الحكم بل أمرنا أن نترك الحد كامله عند وجود شبة بعدم القتل ولكننا لم نؤمر بترك الحد أو تخفيفه مع عدم وجود شبهة إلا أن الخيار للولى وله الخيار وما القاضى إلا منفذاً لإختيار الولى والذى يكفله له الدستور السماوى 0
لو علق كل قاتل أو حز عنقه لما أستخف الناس بالقتل وراحوا يقتلون الناس على أمور تافهة لا تستحق مجرد الحديث عنها 0
لو قطعت يد كل سارق لما سرق بعدها ولعلمه الناس واحتاطوا له ومنه 0
لو طبق شرع الله فى كل حالة لما رأينا هذا الفساد المنتشر وهذا الجور البين المسكوت عنه ولما رأينا غير الحق فى كل مقام ومقال 0
إلا أننا نرى الآن القاتل يقتل على أمور تافهة غير ذى بال ويشرد الأطفال ويرمل النساء ويلقى بهم جميعاً إلى الشوارع ودنيا الضياع ثم يحكم عليه بسنين سجن أو ربما يترافع عنه محامى مخضرم فيبرأه فيمشى فى الطرقات متباهياً ببراءته متعالياً بجريمته ... قولوا لى يا إخوانى بالله عليكم لو كنتم مكان أبناء المقتول أو مكان أخوته ماذا كنتم فاعلين ؟ ... لا أرى إلا القتل عقاباً ولا أرى إلا القصاص عدلا 0
ويكفيهم ما حدث لهم من تشرد وضياع وفقدان للأب أو الأبن أو الأخ ويا لها من خسارة

أًتهم الصعيد بأنه متخلف بإنتشار الثأر فيه ...!!! كيف وقد غاب القانون السماوى الذى يكفل العدل وحل مكانه قانون وضعى يستطيع خرقه كل خارق عبر ثغرات وعيوب وأخطاء وقع فيها المشرع الوضعى ... لا بد من إقامة الدين شرعاً وتشريعاً حكماً وحكما 0
لو ذهبنا إلى الدول التى تدعى متحضرة لوجدنا الثأر هناك ولكن بمسميات أخرى ولو قرأنا عن ثقافاتهم لوجدنا ذلك , لو ذهبنا إلى أى مكان فى الأرض لوجدنا هذا بين البشر جميعاً وبين الجن جميعاً والجن والإنس وبين الحيوانات 0
إلا أنه فى كل مكان قد يختلف المسمى وكل ذلك راجع لأسباب ثابته ذكرتها لكم أما غير المسلمين فلهم دينهم ولهم معتقداتهم التى تعالج مشاكلهم عن طريقها إلا أن الطريقة المثلى تكمن فى شرع الله وتطبيقه 0

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم
أخيكم فى الله
الراعى

ليست هناك تعليقات:


Get Image Rollover Effects at crazyprofile.com