الأحد، 13 أبريل 2008

رحلة إلى العلا (2)

مقدمة

عندما نقف للحظة مع أنفسنا... سنرى أن حياتنا تفيض غماً وهمّاً، قلقاً وأرقاً، تشتتاً وتشوّهاً جسدياً.. وفكرياً... وحتى روحياً....نعمل من الصباح إلى المساء.. ثم نلجأ إلى المهدئات والمنوّمات والمسكنات فنختنق في هذا الحضيض ونحترق....في صيدلية الروح سنروح أبعد وأعمق... سنخترق هذا كله دون أن نحترق.... بالتأمل والتفكر والتدبّر... باكتشاف الحكمة الداخلية وتطويرها.. بالإصغاء إلى موسيقى الصمت المنسابة في أعماقنا وأرواحنا... بالعودة إلى شجرة الحياة التي تنبض في قلوبنا...لتصبح رحلتنا سلسلة متصلة متواصلة مع محيط الوجود اللامحدود ومع كل نفس وكل حياة... لتغدو حياتناً أكثر تناغماً وتوازناً بين العمل واللعب.....بين التوتر والتحرر... بين المسؤولية والحرية....التأمل شفاء للجسد والنفس والروح... ننتقل به من لَغو العقول إلى لغة القلوب... من صخب الخارج وضجيجه إلى صمت الداخل وسكينته... ليحل السلام بدل الدمار.... ولتسود الرحمة وتموت الرجمة...أخيراً نصيحة صغيرة بخصوص تعاملك مع خزائن هذه الصيدلية الاستثنائية:إن هذه التمارين هي وسيلة للمتعة واللهو... اختر ما يعجبك منها واختبره.. العب معه.. واستمتع به بصدق وإخلاص لمدة بضع أيام وسيكون ذلك كافياً وافياً لتشعر إن كان يناسبك أم لا

أولاً : التشخيص: ...

لا تبحث عن الوعي مستجدياً من باب إلى باب.. بل افتح باب قلبك وأصغِ إلى صمت الأعماق... واجنِ من موسيقاك أعذب الألحان..... فأنت العابد في هذا المعبد... وما الجسد إلا هيكل مقدس ينطوي فيه السر الأكبر.. وفيك انطوى العالم الأكبر..لا يمكن للوعي أن يكون عدواً لهذا الجسد.. الجسد هو أرضك ووطنك.. سكنك ومسكنك.. هو الخطوة الأولى نحو درب الروح... نحن نمشي.. نأكل.. نشرب.. نتحدث بانسجام... لأننا وحدة أساسية متناغمة متداخلة متكاملة.. جسد فكر.. وروح..إهانة الجسد ومحاربته ليست سبيلاً لنمو الوعي وسمو الروح.. بل محبته واحترامه هي السبيل والطريق.. أن تحميه وتحنو عليه.. أن تكون صديقاً صادقاً له.. ورفيقاً مخلصاً فهو هبة وأمانة من الله.. نعمة لا نقمة... هدية لا بليّة.. إنه بيتك الأول والأخير.. لتهتم به وترعاه.. وتذكر أنه في خدمتك باستمرار يوماً بعد يوم.. حتى وأنت نائم فهو يعمل من أجلك ليل نهار.. يهضم الطعام ويحوله إلى دم.. يطرح الخلايا الميتة خارجاً.. يُدخل الأكسجين المنعش.. كل ذلك وأنت غارق في نوم عميق! إنه يقوم بكل شيء من أجل خدمتك.. من أجل حياتك.. ومع هذا لم يخطر ببالك أن تشكره أبداً...إن كثيرا يعلمونك عكس ذلك.. يعلموك أن تعذبه وتهينه ولكنك لست جسداً فحسب.. أنت الساكن بهذا السكن.. لا حاجة لأن تتقيد وتقيّد به.. لأن الحب لا يعني الربط والارتباط والامتلاك بل هو الثقة المطلقة والحرية اللامحدودة.. لهذا عامله بلطف وحنوّ ورحمة ليصبح أحسن وأفضل مما سيجعل وعيك أكبر فأكبر.... لتعود جزءً لا يتجزأ من معزوفة الكون والأكوان....إننا بحاجة إلى نوع مختلف من العلم ومن الثقافة، بحاجة إلى العلم الذي يُغني الوجدان لا الذي يُلغي الإحساس، ليدخل كل منا إلى صمت القلب ليتذكر ذاته، وليعرف نفسه، ودوره في هذه الرحلة.. والمفتاح هو التأمل....... وعندها ستكون رحيماً بجسدك.. رؤوفاً بالآخرين...عندما تحب جسدك وتحترمه سيبادلك الحب والاحترام .. وسيصبح طوع إرادتك.. قادراً على القيام بأي شيء ترغب به حتى لو كان مستحيلاً.... فالجسد سر عظيم غريب... علينا أن نكتشف أسراره لنعبر من خلاله إلى الحقيقة الأبدية الأزلية.... لقد قام الكثير بزراعة العداء بيننا وبين الجسد.. ولكن هذا العداء هو المفتاح الذي سيقودنا إلى تعلم حكمة هذا الكفن وهذا المعبد لنجد السر الإلهي الكامن فيه، وعندها سنعرف أن الله ليس بعيداً.... بل يسكن في سكينة هذا المسكن.. إنه الحي القيوم في داخلك أقرب إليك من حبل الوريد، وحالما تدرك ذلك ستحب وتحترم كل الناس، وكل الكائنات والمخلوقات..... إن أي ثقافة لا تعلمنا محبة الجسد واحترامه، والغوص داخل أسراره لن تستطيع السمو بوعينا وإدراكنا... لجسدك عليك حق... والجسد هو الباب الاول لكل الأسرار....

ليست هناك تعليقات:


Get Image Rollover Effects at crazyprofile.com