وخلاصة القول فإن القرآن الكريم قد يفسر باللغة تارة وأخرى بالعرف الصحيح غير المخالف لشرع الله وأخرى بالعقل المدرك الواعى المتزن وأخر بحسب ما ورد من صحيح الأثر واليوم نرى تفسيراً وتأويلاً أخر بمظاهر الإعجاز فى الطبيعة والكون ووجود ما يوافقها بالمعنى أو القصد فى القرآن ؛ وكل تأويل لآياته صحيح طالما لا يوجد فيه إخلال بقدسية القرآن وأحكام الله وشرعه وكان موافقاً للغة0
وعلى هذا فإنى أرى الميل إلى القول بأن المقصود بالشفاء فى الآية شمول معنى الشفاء أى شفاء من كل شىء ؛ شفاء معنوى فهو شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله تعالى , وشفاء حسى فهو شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقى والتعوذ ونحوه , لأن هذا الرأى هو المراد فى هذه الأية , وذلك لما يقويه ويعضده من أدلة صحيحة وأحاديث متواترة 0
وبناءاً على ما تقدم فإنى أرى أن الله تعالى ذكر أن من القرآن ما هو شفاء للمؤمنين ورحمة للمؤمنين وعلى هذا فإن هذه الأية صريحة لا تقبل التأويل كما أن لهذه الأية معنيان معناً بعيد وأخر قريب والأصح والأرجح عند جمهور الفقهاء والمفسرين هو الأخذ بالمعنى القريب دون المعنى البعيد إلا إن وجدت قرينة تصرف إرادة المعنى القريب إلى المعنى البعيد .
فالمعنى القريب ما يفهمه كل إنسان عاقل فاهم وهو أن القرآن فيه من الآيات ما فيها شفاء بذاتها لكل مؤمن وهو المعنى القريب المراد والذى دلت عليه كثير من الأحاديث الصحاح , والمعنى البعيد أن القرآن فيه شفاء روحى وقلبى لكل المؤمنين وهذا هو المعنى البعيد للأية وغير مراد فى هذا الموضع علماً بأن هذا المعنى صحيح ومراد من الله تعالى فى آيات كثيرة أخرى ولا ينكره مسلم شهد بأن القرآن الكريم كتاب الله المنزل على سيدنا محمد r , حيث من المعلوم أن القرآن الكريم بكامله شفاء روحى يرقى بالروح ويسمو بها ولا عدول عن ذلك بأى طريق إلى أى طريق ولا يحتاج ذلك إلى بيان وبلاغ ؛ إنما كان البلاغ لأمر أخر وهو المعنى القريب0
كما أن هذه الأيات ذكر فيها أن القرآن شفاء للمؤمنين أى كل المؤمنين وكل المؤمن فلا تبعيض بمعنى أخر أنه شفاء لكل مؤمن جسد وروح ونفس فلا تخصيص بكونه شفاء للقلوب أو شفاء للصدور كما الحال فى بعض الآيات الأخرى ؛ فهو شفاء كامل للمؤمن 0
أما عن إختصاص المؤمنين بالشفاء القرآنى فذلك أن القرآن الكريم عقيدة المؤمن ونبراسه , فكيف يُشفى بالقرآن من لا يعتقد بأنه كلام الله المنزل , إذ أن الإعتقاد عوامل مهمة فى شفاء المريض أو مرض الصحيح وذلك لما روى عنه r أنه قال ( لا تمارضوا فتمرضوا فتموتوا ) أو كما قال , والمعنى لا تتوهموا أو تدعوا المرض فإن ذلك يسبب وقوع المرض , ليس هذا فحسب . بل قد يؤدى الوهم والإدعاء إلى الموت بسبب إزدياد المرض وشدته الناتج عن الوهم والإعتقاد الخاطىء , ويؤيد ذلك ما نراه فى حياتنا اليومية من أناس كثر يتوهمون المرض ويدعونه فيصابوا بألد الأمراض0
وأحب أن أشير إلى أن القرآن الكريم شفاء لقلوب كل البشر فلو سمعه أو قرأه مشرك أو كافر أو مسلم فإنه يرقق قلبه فهو شفاء لما فى الصدور ويدل على ذلك تأثير القرآن الكريم فى كفار قريش وكيف شفاهم سماعه وأرشدهم إلى الصواب بفضل من الله 0
وهو شفاء كلى للمؤمنين دون غيرهم فى الإستشفاء به من الأمراض الظاهرة وفى شفاء القلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله تعالى 0
ويدل على ذلك أن الله أختص به المؤمنين ووصفه بأنه هدى ورحمة وشفاء لهم , وفى موضع أخر ذكر تعالى أنه شفاء لما فى الصدور بعد الوعظ فدل على أن المقصود شفاء القلوب من الريب والزيغ ثم ذكر أنه هدى ورحمة للمؤمنين فالكلام أولاً لعموم الخلق ثم خصت الهدى والرحمة للمؤمنين 0
فالأصل في التداوي يكون بالقرآن ثم بالأسباب الدوائية - فالقرآن طب القلوب ودواؤها، وعافية الأبدان وشفاءها , فالله تبارك وتعالى قال " شفاء " ولم يقل " دواء " لأنها نتيجة ظاهرة ، أما الدواء فيحتمل الشفاء وعدمه .
وقد قال سبحانه وتعالى : (( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين )) ( سورة يونس الآية 57 )
ذكر القرطبى فى تفسيره . " قول الله تعالى : ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة ) أي وعظ ( من ربكم ) يعني القرآن فيه مواعظ وحكم ( وشفاء لما في الصدور ) أي من الشك والنفاق والخلاف والشقاق ( وهدى ) أي ورشدا لمن اتبعه ( ورحمة ) أي نعمة ( للمؤمنين ) خصهم لأنهم المنتفعون بالإيمان والكل صفات القرآن والعطف لتأكيد المدح 0
وقال تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته ) قال أبو سعيد الخدري وابن عباس رضي الله عنهما : فضل الله القرآن ورحمته الإسلام وعنهما أيضا : فضل الله القرآن ورحمته أن جعلكم من أهله وعن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة : فضل الله الإيمان ورحمته القرآن على العكس من القول الأول وقيل : غير هذا ( فبذلك فليفرحوا ) إشارة إلى الفضل والرحمة " 0
وهذا يؤيد الكلام السابق حيث تقدم مجىء الموعظة من الله وكأنه يعظ كل مخالف لشرع الله فإن أهتدى وأخذ كلام الله بالتصديق والقبول فإن القرآن يطهره من الشك والنفاق والخلاف والشقاق وهذا هو شفاء الصدور , فإن آمنوا كان القرآن لهم هدى ورشدا ورحمة ونعمة منه تعالى فإن الهدى والرحمة خاصة بالمؤمنين وهذا إختصاص خاص من الله لهم 0
وكلمة ( شفاء ) هنا مراد بها الشفاء المعنوى دون الحسى لقوله ( لما فى الصدور ) فهو تعالى يقصد بذلك القلوب وإن لها المعنوى من الشفاء فكانت الآية خاصة بالشفاء المعنوى 0
وقد استدللت بهذه الأية لتوضيح مقصد الله تعالى فى آيات سورة الإسراء السالفة الذكر ولإلقاء الضوء على معنى ( الشفاء ) فى كلا الآيتين 0
وقال تعالى : (( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد )) ( سورة فصلت الآية 44 )
ذكر القرطبى فى تفسيره " قوله تعالى : ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) فيه ثلاث مسائل : الأولى قوله تعالى : ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا ) أي بلغة غير العرب ( لقالوا لولا فصلت آياته ) أي بينت بلغتنا فإننا عرب لا نفهم الأعجمية فبين أنه أنزله بلسانهم ليتقرر به معنى الإعجاز إذ هم أعلم الناس بأنواع الكلام نظما ونثرا وإذا عجزوا عن معارضته كان من أدل الدليل على أنه من عند الله ولو كان بلسان العجم لقالوا لا علم لنا بهذا اللسان , الثانية وإذا ثبت هذا ففيه دليل على أن القرآن عربي وأنه بلغة العرب وأنه ليس أعجميا وأنه إذا نقل عنها إلى غيرها لم يكن قرآنا 0
قوله تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) أعلم الله أن القرآن هدى وشفاء للذين آمنوا من الشك والريب والأوجاع " وبهذا يقصد أنه شفاء حسى ومعنوى "( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ) أي صمم عن سماع القرآن ولهذا تواصوا بالغو فيه ونظير هذه الآية : وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا 0
والذين لا يؤمنون بمنزلة من في آذانهم وقر وهو يعني القرآن عليهم ذو عمى لأنهم لا يفقهون وقيل المعنى والوقر عليهم عمى ( أولئك ينادون من مكان بعيد ) يقال ذلك لمن لا يفهم من التمثيل وحكى أهل اللغة أنه يقال للذي يفهم : أنت تسمع من قريب ويقال للذي لا يفهم : أنت تنادى من بعيد أي كأنه ينادى من موضع بعيد منه فهو لا يسمع النداء ولا يفهمه " 0
وعلى هذا فإن كلام الإمام القرطبى يؤيد أن الله تعالى أختص المؤمنين بكون القرآن هدى وشفاء كلى لهم , وهذا ما يؤيد ما ذكرته فى الآيات السابقة , وحتى يستبين لك البيان الواضح الجلى فأنظر بتمعن إلى آيات سورة الإسراء الوارد ذكرها وآية سورة يونس وآية سورة فصلت . مجتمعين وسترى بعقلك وببصرك وبصيرتك الصواب والتأويل الأقرب إلى مراد الله تعالى 0
ويقول ابن القيم: " فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق، وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبدا - إلى أن يقول- فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ، ومن لم يكفه فلا كفاه الله " 0
ولقد قال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام : (الذي خلقني فهو يهدين. والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين. والذي يميتني ثم يحيين. والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) .
وهذا يدل على أن حسن القصد ونية التوكل، وطلب الشفاء من الله.. كل ذلك مقرون بالإيمان، فالإيمان من المعالج بأن الله هو الشافـي، والإيمان من المريض بـأن في القرآن الشفاء ، وبدون ذلك لا يتم الشفاء؛ لأن الشافي هو الله تعالى.
ولا أقول بترك الأسباب الدوائية كالذهاب إلى المستشفيات والمصحات النفسية ، لكن الأساس في علاج كافة الأمراض هو القرآن الكريم ويضم إليه السبب الدوائي لأنه لابد من اليقين بأن الشفاء من الله. وإذا نزل الشفاء نفع الدواء بإذن الله ، وليس العكس 0
وعلى هذا فإنى أرى الميل إلى القول بأن المقصود بالشفاء فى الآية شمول معنى الشفاء أى شفاء من كل شىء ؛ شفاء معنوى فهو شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله تعالى , وشفاء حسى فهو شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقى والتعوذ ونحوه , لأن هذا الرأى هو المراد فى هذه الأية , وذلك لما يقويه ويعضده من أدلة صحيحة وأحاديث متواترة 0
وبناءاً على ما تقدم فإنى أرى أن الله تعالى ذكر أن من القرآن ما هو شفاء للمؤمنين ورحمة للمؤمنين وعلى هذا فإن هذه الأية صريحة لا تقبل التأويل كما أن لهذه الأية معنيان معناً بعيد وأخر قريب والأصح والأرجح عند جمهور الفقهاء والمفسرين هو الأخذ بالمعنى القريب دون المعنى البعيد إلا إن وجدت قرينة تصرف إرادة المعنى القريب إلى المعنى البعيد .
فالمعنى القريب ما يفهمه كل إنسان عاقل فاهم وهو أن القرآن فيه من الآيات ما فيها شفاء بذاتها لكل مؤمن وهو المعنى القريب المراد والذى دلت عليه كثير من الأحاديث الصحاح , والمعنى البعيد أن القرآن فيه شفاء روحى وقلبى لكل المؤمنين وهذا هو المعنى البعيد للأية وغير مراد فى هذا الموضع علماً بأن هذا المعنى صحيح ومراد من الله تعالى فى آيات كثيرة أخرى ولا ينكره مسلم شهد بأن القرآن الكريم كتاب الله المنزل على سيدنا محمد r , حيث من المعلوم أن القرآن الكريم بكامله شفاء روحى يرقى بالروح ويسمو بها ولا عدول عن ذلك بأى طريق إلى أى طريق ولا يحتاج ذلك إلى بيان وبلاغ ؛ إنما كان البلاغ لأمر أخر وهو المعنى القريب0
كما أن هذه الأيات ذكر فيها أن القرآن شفاء للمؤمنين أى كل المؤمنين وكل المؤمن فلا تبعيض بمعنى أخر أنه شفاء لكل مؤمن جسد وروح ونفس فلا تخصيص بكونه شفاء للقلوب أو شفاء للصدور كما الحال فى بعض الآيات الأخرى ؛ فهو شفاء كامل للمؤمن 0
أما عن إختصاص المؤمنين بالشفاء القرآنى فذلك أن القرآن الكريم عقيدة المؤمن ونبراسه , فكيف يُشفى بالقرآن من لا يعتقد بأنه كلام الله المنزل , إذ أن الإعتقاد عوامل مهمة فى شفاء المريض أو مرض الصحيح وذلك لما روى عنه r أنه قال ( لا تمارضوا فتمرضوا فتموتوا ) أو كما قال , والمعنى لا تتوهموا أو تدعوا المرض فإن ذلك يسبب وقوع المرض , ليس هذا فحسب . بل قد يؤدى الوهم والإدعاء إلى الموت بسبب إزدياد المرض وشدته الناتج عن الوهم والإعتقاد الخاطىء , ويؤيد ذلك ما نراه فى حياتنا اليومية من أناس كثر يتوهمون المرض ويدعونه فيصابوا بألد الأمراض0
وأحب أن أشير إلى أن القرآن الكريم شفاء لقلوب كل البشر فلو سمعه أو قرأه مشرك أو كافر أو مسلم فإنه يرقق قلبه فهو شفاء لما فى الصدور ويدل على ذلك تأثير القرآن الكريم فى كفار قريش وكيف شفاهم سماعه وأرشدهم إلى الصواب بفضل من الله 0
وهو شفاء كلى للمؤمنين دون غيرهم فى الإستشفاء به من الأمراض الظاهرة وفى شفاء القلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله تعالى 0
ويدل على ذلك أن الله أختص به المؤمنين ووصفه بأنه هدى ورحمة وشفاء لهم , وفى موضع أخر ذكر تعالى أنه شفاء لما فى الصدور بعد الوعظ فدل على أن المقصود شفاء القلوب من الريب والزيغ ثم ذكر أنه هدى ورحمة للمؤمنين فالكلام أولاً لعموم الخلق ثم خصت الهدى والرحمة للمؤمنين 0
فالأصل في التداوي يكون بالقرآن ثم بالأسباب الدوائية - فالقرآن طب القلوب ودواؤها، وعافية الأبدان وشفاءها , فالله تبارك وتعالى قال " شفاء " ولم يقل " دواء " لأنها نتيجة ظاهرة ، أما الدواء فيحتمل الشفاء وعدمه .
وقد قال سبحانه وتعالى : (( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين )) ( سورة يونس الآية 57 )
ذكر القرطبى فى تفسيره . " قول الله تعالى : ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة ) أي وعظ ( من ربكم ) يعني القرآن فيه مواعظ وحكم ( وشفاء لما في الصدور ) أي من الشك والنفاق والخلاف والشقاق ( وهدى ) أي ورشدا لمن اتبعه ( ورحمة ) أي نعمة ( للمؤمنين ) خصهم لأنهم المنتفعون بالإيمان والكل صفات القرآن والعطف لتأكيد المدح 0
وقال تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته ) قال أبو سعيد الخدري وابن عباس رضي الله عنهما : فضل الله القرآن ورحمته الإسلام وعنهما أيضا : فضل الله القرآن ورحمته أن جعلكم من أهله وعن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة : فضل الله الإيمان ورحمته القرآن على العكس من القول الأول وقيل : غير هذا ( فبذلك فليفرحوا ) إشارة إلى الفضل والرحمة " 0
وهذا يؤيد الكلام السابق حيث تقدم مجىء الموعظة من الله وكأنه يعظ كل مخالف لشرع الله فإن أهتدى وأخذ كلام الله بالتصديق والقبول فإن القرآن يطهره من الشك والنفاق والخلاف والشقاق وهذا هو شفاء الصدور , فإن آمنوا كان القرآن لهم هدى ورشدا ورحمة ونعمة منه تعالى فإن الهدى والرحمة خاصة بالمؤمنين وهذا إختصاص خاص من الله لهم 0
وكلمة ( شفاء ) هنا مراد بها الشفاء المعنوى دون الحسى لقوله ( لما فى الصدور ) فهو تعالى يقصد بذلك القلوب وإن لها المعنوى من الشفاء فكانت الآية خاصة بالشفاء المعنوى 0
وقد استدللت بهذه الأية لتوضيح مقصد الله تعالى فى آيات سورة الإسراء السالفة الذكر ولإلقاء الضوء على معنى ( الشفاء ) فى كلا الآيتين 0
وقال تعالى : (( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد )) ( سورة فصلت الآية 44 )
ذكر القرطبى فى تفسيره " قوله تعالى : ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) فيه ثلاث مسائل : الأولى قوله تعالى : ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا ) أي بلغة غير العرب ( لقالوا لولا فصلت آياته ) أي بينت بلغتنا فإننا عرب لا نفهم الأعجمية فبين أنه أنزله بلسانهم ليتقرر به معنى الإعجاز إذ هم أعلم الناس بأنواع الكلام نظما ونثرا وإذا عجزوا عن معارضته كان من أدل الدليل على أنه من عند الله ولو كان بلسان العجم لقالوا لا علم لنا بهذا اللسان , الثانية وإذا ثبت هذا ففيه دليل على أن القرآن عربي وأنه بلغة العرب وأنه ليس أعجميا وأنه إذا نقل عنها إلى غيرها لم يكن قرآنا 0
قوله تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) أعلم الله أن القرآن هدى وشفاء للذين آمنوا من الشك والريب والأوجاع " وبهذا يقصد أنه شفاء حسى ومعنوى "( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ) أي صمم عن سماع القرآن ولهذا تواصوا بالغو فيه ونظير هذه الآية : وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا 0
والذين لا يؤمنون بمنزلة من في آذانهم وقر وهو يعني القرآن عليهم ذو عمى لأنهم لا يفقهون وقيل المعنى والوقر عليهم عمى ( أولئك ينادون من مكان بعيد ) يقال ذلك لمن لا يفهم من التمثيل وحكى أهل اللغة أنه يقال للذي يفهم : أنت تسمع من قريب ويقال للذي لا يفهم : أنت تنادى من بعيد أي كأنه ينادى من موضع بعيد منه فهو لا يسمع النداء ولا يفهمه " 0
وعلى هذا فإن كلام الإمام القرطبى يؤيد أن الله تعالى أختص المؤمنين بكون القرآن هدى وشفاء كلى لهم , وهذا ما يؤيد ما ذكرته فى الآيات السابقة , وحتى يستبين لك البيان الواضح الجلى فأنظر بتمعن إلى آيات سورة الإسراء الوارد ذكرها وآية سورة يونس وآية سورة فصلت . مجتمعين وسترى بعقلك وببصرك وبصيرتك الصواب والتأويل الأقرب إلى مراد الله تعالى 0
ويقول ابن القيم: " فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق، وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبدا - إلى أن يقول- فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ، ومن لم يكفه فلا كفاه الله " 0
ولقد قال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام : (الذي خلقني فهو يهدين. والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين. والذي يميتني ثم يحيين. والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) .
وهذا يدل على أن حسن القصد ونية التوكل، وطلب الشفاء من الله.. كل ذلك مقرون بالإيمان، فالإيمان من المعالج بأن الله هو الشافـي، والإيمان من المريض بـأن في القرآن الشفاء ، وبدون ذلك لا يتم الشفاء؛ لأن الشافي هو الله تعالى.
ولا أقول بترك الأسباب الدوائية كالذهاب إلى المستشفيات والمصحات النفسية ، لكن الأساس في علاج كافة الأمراض هو القرآن الكريم ويضم إليه السبب الدوائي لأنه لابد من اليقين بأن الشفاء من الله. وإذا نزل الشفاء نفع الدواء بإذن الله ، وليس العكس 0
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق